الصحة الجزائرية وما قيل عن الاصلاح

 الماضي والحاضر محل مساءلة

الدكتورة سميرة بيطام

في تغيير ارتقبه الجميع لحكومة انتقلت معها الأنظار نحو الأمل الذي انتظرته قلوب الجزائريين لغد أفضل توجناه أن يكون اليوم أفضل ،بدت تعيينات لن نعلق على فحواها بقدر ما كان يهمنا قطاع الصحة الذي سال مدادنا لسنوات طويلة نكتب عن واقعه ومستجداته وكيف تصورنا المنظومة الصحية بما تتضمنه من هياكل صحية منظمة و مجهزة بأحدث الأجهزة الطبية ولياقة فكرية ومادية وتنظيمية لمستخدميها، في هذا السياق من الملاحظات بل الضروريات ، يعين البروفيسور عبد الحق سائحي وزيرا للصحة خلفا للبروفيسور بن بوزيد، عبد الحق سائحي كان أستاذي وبحكم تتلمذي على يديه أثناء تكويني في دفعة ما بعد التدرج المتخصص لتسيير الموارد البشرية يمكنني القول أنه رجل متواضع متمكن من لب الصحة في ادارتها لأنه اداري وليس مجاله الطب، ويبقى آدائه الآن كوزير ستثبته الأيام والمواقف والأزمات الصحية ان حدثت في بلدنا لا قدر الله، فآداء أي وزير لا يخضع لما نعرفه أو نجهله عن شخصيته بل بما يقوم به في الميدان ، وفي خضم التحولات التي يشهدها العالم في مجال الصحة من انتشار لافت للانتباه لأمراض وأوبئة ربما ليست صنيعة بشر مثل ما حدث مع قصة كورونا يظهر من أيام وباء الكوليرا والضنك والملاريا التي ظهرت مؤخرا في دولة الباكستان بسبب الفيضانات الأخيرة التي اجتاحتها ،ما يعطي دلالة الى أن احتمالية ظهور أمراض وأوبئة في دول تتمتع بمناخ معتدل كالجزائر لن تكون في منأى عن ظهور أزمات صحية جديدة بسبب تقلبات المناخ هذا دون نسيان ظاهرة الاحتباس الحراري التي كانت قائمة بسبب زيادة استهلاك الطاقة الزائد وعدم الحفاظ على المحيط وجهل الانسان أنه عنصر مهم في التوازن البيئي.

أعود لأقول أن ما كتبنا سابقا من مقالات حول المنظومة الصحية الجزائرية كان مسايرة لواقع تذمر منه مستخدموها بسبب رداءة القطاع وتأخر مستحقاتهم وكذا الفراغات القانونية التي كانت موجودة في القوانين الأساسية بالإضافة الى قضايا التعسف الإداري الممارس من بعض المدراء و المسؤولين ،ما جعل الوزير السابق البروفيسور بن بوزيد يعجل بضرورة القيام بتعديلات فيها ولكنه رحل دون أن يقرأ على مسامعنا فحوى هذه التعديلات وأهم النقاط التي ستتضمنها هذه القوانين.
هذا من جهة، من جهة أخرى، نلاحظ من حين لآخر خرجات مسؤولين أكثرهم ولاة وتراجع ملاحظ في مهمة مفتشية وزارة الصحة التي يسند لها مهمة مراقبة الآداء في المستشفيات سواء للأطباء أو للممرضين وحتى فيما يخص تطبيق تعليمات الوزارة الوصية، ما يجعلنا نتساءل عن خرجات الولاة للمستشفيات والذين من المفروض يراقبون الطرقات و انجاز مشاريع السكنات وعمليات التشجير وغيره خاصة بعد أزمة الحرائق التي اجتاحت بعض الولايات ، فالمنظومة الصحية ومنذ جائحة كورونا بقيت قائمة على موضوع ما يسمى الشطر السابع والثامن والتاسع للمنحة ، ولم يعد هناك شيء يشغل بال المستخدمين مثل هذا الحق ومنه انطلقت مجموعات صحية على صفحات الفيس بوك تناشد الوزارة و تطالبها بهذا الحق، في غياب تام للجنة الاعلام التي من المفروض هي الناطق الرسمي لكل أنشطة الوزارة بما في ذلك زيارات الوزير وشرح أهم برامجه حتى النقابات لم تعد تظهر كالسابق، ولا أعرف لماذا تغير منحى التنسيق الإداري بين هياكل وزارة الصحة وبقي التشجيع حكرا على أشخاص على حساب آخرين مثل الإشادة التي نقرأها على مستشفى مصطفى باشا وتراجع في الإشادة بمستشفى بني مسوس ،ثم مركزية الخبر من المفروض تسند للوزارة الوصية ولا شأن للغير في أن يتحدثوا على لسان من هم أولى وأجدر بالخبر اليقين ألا وهي وزارة الصحة.

ربما مساءلاتنا عن واقع المنظومة الصحية اليوم بين ماض عشنا فيه تعثرا واضحا وحاضرا بقينا نأمل فيه تغييرا نحو الأفضل لم يحررنا من عقدة الخوف من المستقبل وهو خوف مشروع في ظل أن تبقى حقوق بعض المهمشين معلقة و يزكى آخرون في مناصب المسؤولية وسيرهم الذاتية لا تعكس قوامة المنصب ونجهل السبب والدافع لكن الواقع هو من يعطي هذه القراءات ،و يبقى التساؤل الأهم :
هل سيتمكن البروفيسور عبد الحق سايحي من تغيير واقع الصحة الجزائرية؟ وما هي الآليات التي سيستخدمها في ذلك؟ وكيف ستجاري المنظومة الصحية الجزائرية واقع المنظومات الصحية القوية والمتطورة والتي وحتى وان أنهكتها جائحة كورونا الا أنها بقيت محافظة على مستوى معين من الأداء البحثي والعلمي في مجال الطب و البيولوجيا..والأهم : هل سيحقق البروفيسور سائحي عدلا في قطاع الصحة الجزائري؟ لأن العدل ليس حكرا على وزارة العدل بل على في جميع القطاعات لأنه أساس النجاح في الآداء الوزاري بكفالة حقوق الغير وتتويج من يستحق في منصب المسؤولية الذي هو تكليف وليس تشريف والعبث فيه لن يكون متاحا أو مباحا الآن لأن الوقت يمر والمطلوب هو بناء دولة قوية لا يظلم فيها أحد ولا يُهان فيها أحد ولا يحتقر فيها أحد ..وان بدت المهمة مستحيلة الا أن تحقيق جزء منها يكفي.
لا يمكننا استباق الزمن ولا الكلام على فرصة تواجد الأستاذ سائحي على رأس قطاع حساس ومهم لنقول أنه سينجح أو سيخفق بل الملفات الموجودة على مكتبه هي من ستجيب على تساؤلاتنا من خلال طريقة تسييره لها خاصة وأنه كان الذراع الأيمن للوزير السابق بن بوزيد لما شغل منصب أمين عام للوزارة دون ان ننسى أنه هو من وضع اللبنة الأولى لمدرسة المناجمنت التي جلسنا في قاعاتها نستمع لمحاضرته في مجال الصحة، بالإضافة الى تقلده مناصب عديدة قبل الوصول لمنصب وزير في الصحة منها لما كان في المدرسة الوطنية للإدارة، في مجملها سيرة إدارية تمنح للرجل الأول على رأس قطاع الصحة فنيات وامتياازات لتسيير هذا القطاع الذي عانى الكثير في حقبة زمنية مضت..فما الذي سيتغير فيه؟..سنتابع ذلك ضمن مسيرة البروفيسور سائحي وهو وزير للصحة وأهم التغييرات التي سيقوم بها.

نتمنى لأستاذنا التوفيق والسداد في المهمة التي دون شك لن تكون سهلة .